قد لا يعرف الكثيرون اليوم، أن المغاربة وطئوا أمريكا بأرجلهم قبل أن يكتشفها كريستوف كولومبس، وأن كولومبس نفسه أشار إلى وجود مساجد بأمريكا، وأن الإسلام كان منتشرا بها قبل الاكتشاف «المزعوم»، وأن الكثير من الرحلات قد انطلقت من الغرب الإسلامي، نحو بحر الظلمات، قبل أن يفكر كولومبس في تعلم الملاحة البحرية.
نعم، هذه حقائق موثقة وقد أفضت جهود العلامة علي بن المنتصر الكتاني، إلى إماطة اللثام عن بعضها، كما أكدت بعض الحفريات على وجود آثار إسلامية بأمريكا قبل كولومبوس بزمن، من بينها كتابات باللغة العربية ونقود ذهبية إسلامية، وهناك العديد من الإشارات في المصادر التاريخية العربية، التي تعضد ما كشفت عنه الحفريات، منها ما نقله الشريف الإدريسي عن رحلة «المغررين»، الذين أبحروا نحو أمريكا قبل ولادة كولومبس بقرون عديدة، وما نقله المسعودي عن رحلة الخشخاش بن سعيد، الذي وصف الأرض المجهولة. غير أن الصليبية الأوروبية اجتهدت كثيرا في طمس المعالم الحضارية الإسلامية في أمريكا، وحين توجه كولومبس نحو أمريكا عام 1492 م، مهد لحملة صليبية من نوع آخر، لا تختلف في جوهرها عن حروب الاسترداد.
ولقد انطلقت محاكم التفتيش إلى هناك، لتوقف زحف الإسلام على القارة الأمريكية ولتستأصل دعوته في مهدها، وقد كان لها ذلك، ولم يعد أحد يذكر اليوم أن المغاربة وصلوا إلى أمريكا قبل كولومبس، والذي ينبغي أن نلتفت إليه في هذا السياق هو أن العبور الإسلامي المغربي إلى أمريكا- كان عبورا حضاريا- لا يختلف عن عبورهم الأول نحو الأندلس، وإذا كانت معركة وادي «لكة» أمرا ضروريا، وعملية جراحية ناجعة هدفها وقف الاضطهاد القوطي لساكنة اسبانيا، فإنه ليس هناك ما يشير إلى أن المسلمين خاضوا حروبا على الأرض الأمريكية، لأن شعوب «الهنود الحمر» لم تكن شعوبا عدوانية البتة، ولم يكن هناك من داع لخوض الحرب ضدها، ولكن هذه القناعة لم تكن لتجد طريقها إلى نفوس أدعياء اكتشاف أمريكا، وقد نقل المطران «برتولومي دي لاس كازاس»، صورا عن وقائع الإبادة التي خاضتها «الصليبية» التي حمل لواءها كولومبس تقشعر لها الأبدان، ويعد برتولومي أهم شاهد على الفظاعات الإسبانية- المسيحية في أمريكا.
يقول مارسيل باسيون في تقديمه لكتاب «المسيحية والسيف» الذي يوثق شهادات برتولومي «إن برتولومي هو الشاهد الوحيد الباقي، على أنه كانت في هذه القارة عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم الغزاة بوحشية، لا يستطيع أن يقف أمامها إلا مستنكرا لها، شاكا في إنسانية البشر الذين ارتكبوها، متوجسا خائفا من تكرار بعض مشاهدها، في عالم صارت فيه السكين أبلغ الواعظين وأتقى الأتقياء وسلطان الحجج والبراهين» ولنختتم بهذه الفقرات من الكتاب فهي أفضل ما نبرز به ذلك الفرق الشاسع، الذي ميز الفتح الإسلامي المغربي عن همجية الاستعمار الصليبي.
يقول برتولومي: «وفي هذه الأعوام الإثني عشر قتل الإسبان أكثر من أربعة ملايين من الأهالي، نساء وأطفالا وشبانا وشيوخا» ويقول: «كان المسيحيون المجرمون يطاردون الهنود بكلابهم الوحشية لا فرق بين رجل أو امرأة أو طفل».
ويقول عن إسباني يتسلى بقتل طفل «سأل أحدهم طفلا أن يأتي معه لمطاردة الهنود ورفض الطفل فقال له الإسباني هيا معي وإلا فإنني سوف أقطع أذنيك، وظل الطفل يرفض عندها أخذ الإسباني خنجره، وقطع أذنيه واحدة بعد الأخرى. وبما أن الصبي ظل مصرا على أن يبقى في قريته, فقد جذع له الإسباني أنفه، وهو يضحك كأنه يقص له شعرة من رأسه» ويكفي أن نذكر بأن شعار حملتهم في ذلك الزمن على الهنود هو «الهندي الطيب هو الهندي الميت».