احتيال بـ «خمس دقائق» ... عمليات خداع بمؤثرات نفسية



السفير
لم يعد خافياً أن إصدار «المصرف المركزي» تعميمه المشدد الناظم لعمل كونتوارات التسليف («كونتوارات التسليف» رقم 2)، إنما جاء بعد فضيحة شركات «بيت المال للتسليف المالي» و«أم أف دي» (MFD) و «اللبنانية العربية للتسليف».
وقد اكتسبت هذه الأخيرة شهرة واسعة بعدما اتضح أن الشكاوى والإخبارات الرسمية كانت ترافقها منذ بداية عملها. وهي التي مارست أعمالها من دون رقابة «جدية» تذكر، ما أوقع مئات العائلات اللبنانية ضحية عمليات النصب والإحتيال. فأن تصل متأخراً خير من أن لا تصل، عبارة تصف حال القضاء اللبناني الذي تتراكم أمامه ملفات الفساد.

«اللبنانية العربية للتسليف» التي يملكها اللبناني ف. خيرو، بدأت أعمالها العام 2006 باسم «اللبنانية السعودية للتسليف» (أصبحت «اللبنانية العربية للتسليف» اثر اعتراض السعودية)، بعد استحصالها على علم وخبر من «المصرف المركزي»، إلا أن الشفافية لم تكن من خصال الشركة، حيث توالت الإخبارات للنيابة العامة بشأن عملها منذ البداية، حيناً بدعاوى احتيال ونصب، وأحياناً بشيكات من دون رصيد، لكن «الشركة» استمرت بالعمل من دون حسيب او رقيب حتى العام الماضي، حين باتت تمارس «أعمالها» المثيرة للجدل «على عينك يا تاجر».

أوقف المدعي العام المالي علي ابراهيم الأسبوع الماضي صاحب الشركة، بعدما ثبت ارتكاب الأخير جرم المراباة، فكان يتقاضى نسب فوائد تفوق المنصوص عليه في قانون النقد والتسليف «من 9 إلى 12 في المئة سنوياً».

علماً أن التحقيقات بدأت بعدما تلقت النيابة العامة كتاباً من «مصرف لبنان» يطلب فيه التحقيق بأعمال الشركة، خاصة بعد الإعلان الشهير «قرض بخمس دقايق مقابل رهن»، الذي غزا محطات التلفزة ووسائل الإعلام اللبنانية.

إعلان «الشركة» استقطب مئات المواطنين بهدف الحصول على قرض، وكان يطلب منهم بداية تفويض «الشركة» بإجراء كشف على العقار المعني مقابل مبلغ 400 دولار أميركي غير قابل للاسترداد. ما درّ على «الشركة مبالغ طائلة من دون أن تلتزم في المقابل بإعطاء قروض.

ويبيِّن إخبار مقدم من محامي أحد المتضررين العام 2006، للنيابة العامة في جبل لبنان، أن الشركة تقوم بعمليات «غش واحتيال على المواطنين عبر نشر إعلان مشوق»، يجري بعدها تكليف خبير إجراء الكشوفات، ويذكر الإخبار أن الخبير أجرى خلال عام واحد عمليات تخمين لـ38 عقار على امتداد الرقعة اللبنانية.

يوضح المحامي واصف الحركة أن «تعيين خبير واحد يوكل إليه مهمة الكشف على العقارات في الأراضي اللبنانية كافة ليس بالأمر الصحيح، إذ إن لكل منطقة عقارية خبيراً محلفاً مطلعاً على شؤونها، ومكلفاً إجراء الكشوفات».

واستكمالاً للعمليات المثيرة للجدل، وبحسب المعلومات، كان لافتاً للإانتباه تكرار أسماء الشهود لدى كتاب العدل (في أكثر من عقد توكيل او بيع بين الشركة والمواطنين)، وهو أمر يطرح جملة استفهامات عن الدور الذي أداه هؤلاء الشهود في التأثير والمساهمة في خداع طالبي القروض، حيث يأتي المقترضون بـ «نية تنظيم عقد رهن» وينتهون بالتوقيع على عقد بيع ممسوح او وكالة غير قابلة للعزل.

وتوضح المصادر أن من بين هؤلاء الشهود، م.ح. وهو مدير «العربية للتسليف»، و ج. ر. (خبير مكلف من قبل الشركة للكشف على العقارات)، ب.ع. وهو مدير أحد الفروع، بالإضافة إلى ر. أ. وهو أحد الموظفين لدى الشركة.

عمليات خداع بمؤثرات نفسية
توضح السيدة ندى (اسم مستعار) أنها حين توجهت لـ «اللبنانية العربية للتسليف» بغية الاقتراض مقابل رهن منزلها، البالغة قيمته مليون دولار أميركي، بحسب تخمين الشركة، ووافق خيرو على إعطائها 630 ألف دولار، حصلت منها على 250 ألف دولار، على أن تُعطى الباقي لاحقاً، في مقابل دفع قسط شهري قُدر بـ17.500 دولار.

تشرح أنه خلال وجودها لدى كاتب العدل، فوجئت بأنه يطلب منها التوقيع على عقد بيع ممسوح مع تعهد بإخلاء منزلها ضمن مهلة ستة أشهر، فيما كان اتفاقها مع «الشركة» التوقيع على عقد رهن.

تتابع «راجعتُ خيرو بأن الاتفاق كان مغايراً، فكان رده أن الأمر لا يعدو كونه مجرد شكليات لحفظ حقه»، لكنها توضح أن «ما قام به كاتب العدل من ممارسة ضغط نفسي كان له الأثر الأكبر في قبول توقيع عقد البيع».

تضيف أن كاتب العدل «راح يتحدث بالحسنى عن خيرو، وبدأ يعدّد املاك الأخير وأنه ليس بحاجة للمنزل ولن يقدم على أي خطوة لسلبها إياه»، مؤكداً لها «أن من الطبيعي أن يطلب ما يحفظ له حقه في مقابل إعطائها المال».
وتكمل ندى، «بعد مرور أربعة أشهر، عرضت على خيرو دفع 300 ألف دولار مقابل فسخ عقد البيع، لكنه رفض طالباً تسديد مبلغ الـ 630 ألف دولار مقابل استردادي ملكية منزلي».

وفي السياق نفسه، خسرت السيدة و.ع. منزلها البالغة قيمته 300 ألف دولار، مقابل قرض حصلت عليه من «الشركة» بقيمة 60 ألف دولار. وتطول لائحة العقارات التي امتلكها ف. خيرو بالأسلوب نفسه، حتى تخطّت بحسب المعلومات الـ 500 عقار، لا يعيدها إلى أصحابها إلا حين يدفعون له كامل ثمنها.

استرداد الحقوق
بتاريخ 21/01/2016، أصدر «مصرف لبنان» تعميماً حول تنظيم عمل كونتوارات التسليف، وفيه يحظر في المادة «11/7» على الكونتوارات أن «تستحصل من العملاء على وكالات غير قابلة للعزل أو وكالات بيع لصالحها أو باسمها...»، ما ترك أثراً إيجابياً لدى المئات من الضحايا لظنهم أن التعميم له أثر على قضاياهم».
يؤكد الحركة أن لا ترابط بين تعميم «المصرف المركزي» وبين القضايا القائمة، إذ إن «التعميم الذي صدر متأخراً يقتصر على تنظيم عمل الكونتوارت، فيما القضايا تخضع لأحكام القانون الجزائي».

وفي هذا الإطار، تُطرح أسئلة قد تكون مصيرية بالنسبة لمن فقد جنى عمره بقضايا احتيال، فكيف سيكون التعويض على المتضررين؟ وإلى متى يتوجب عليهم الانتظار ريثما تصدر الأحكام لإنصافهم؟ والسؤال الأهم، هل يضع القضاء يده على أموال خيرو قبل أن يبيعها أو يتصرف بها إيذاناً بإعلان إفلاسه للتهرّب من رد الحقوق لأصحابها؟ يسأل الضحايا.

علم وخبر!
تزاول كونتوارات التسليف عملها بعد التقدم بالعلم والخبر لدى «مصرف لبنان»، ويحدد رأسمالها الأدنى بملياري ليرة لبنانية. وقد جدد المصرف العلم والخبر في الآونة الأخيرة لنحو 60 شركة. وفي تعميم «مصرف لبنان» بعنوان «كونتوار التسليف» رقم 2، أوضح أن «لجنة الرقابة على المصارف» هي الجهة الموكلة بالتأكد من «حسن تطبيق أحكام القرار (التعميم)»، ويحظر على الكونتوارت أن تقترض من المصارف والمؤسسات المالية، كما يُمنع عليها الاحتفاظ بالودائع.