“طريقة دراسة معظم الطلاب لا معنى لها” هذا ما توصل إليه عالما النفس هنري روديجر ومارك مكدانيل من جامعة واشنطن في سانت لويس اللذان جمعا خلاصة دراسات ما مجموعه ثمانين عاما في دراسة واحدة حول التعلم والذاكرة ثم وضعا خلاصة نتائجهما في كتاب إجعلها تلتصق:علم التعلم الناجح (Make it Stick: The Science of Successful Learning).
يدرس معظم الطلاب بأسلوب إعادة قراءة المذكرات والكتب، إلا أن الأبحاث أظهرت عدم جدوى هذا الأسلوب، إذ من الأفضل استخدام ما يسمى باستراتيجيات التعليم النشط كالبطاقات التعليمية والمخططات ووضع الأسئلة وكذلك مباعدة فترات الدراسة ودراسة المواضيع المختلفة معا.
وفيما يلي الإرشادات الثمانية التي يزود بها ماكدانيل الطلاب والمدرسين حول الطريقة الأمثل للدراسة:
1. لا تكتفي بإعادة قراءة الدروس والملاحظات
تبين الاستبيانات أن طريقة دراسة معظم الطلاب هي بإعادة قراءة الفروض والملاحظات، فيقول معظم الطلبة أن هذه هي استراتيجيتهم الأولى في الدراسة. وقد تجلى من خلال العديد من الأبحاث أن عملية تكرار المعلومات وإعادة قراءتها لا تعد طريقة جيدة للتعلم أو خلق ذكريات جديدة في المخ. حيث أثبتت الدراسات التي أجريت على مجموعة من طلاب جامعة واشنطن أن الطلاب الذين أعادوا قراءة فصل من كتاب مقرر لم يكتسبوا أي معلومات أكثر من المجموعة التي قامت بالقراءة لمرة واحدة. فعند القراءة الأولى لنص معين فإنك تبدأ باستخراج الكثير من المعلومات، ولكن عند القراءة لمرة ثانية ينتابك شعور بأنك تعرف ما تقرأه، لذلك لا يقوم مخ الإنسان بمعالجة ما يقرأه بعمقأو استخراج المزيد من المعرفة. وعادة ما تكون القراءة المتكررة سطحية، وهو أمر يخدع الشخص لأنه يمنحه الانطباع بأنه يعرف ويعي المادة المقروءة بشكل جيد، إلا أن هناك بعض الفجوات في هذا الأسلوب لا تسمح بتخزين المعلومات ومعالجتها في مخ الإنسان.
2. إطرح على نفسك العديد من الأسئلة
أحد الأساليب الجيدة هي القراءة لمرة واحدة ثم طرح الأسئلة على نفسك، سواء تلك الأسئلة الموجودة في الكتاب أو أن تأتي بأسئلتك الخاصة. إن استرجاع المعلومات بهذه الطريقة يؤدي لتثببيت أقوى للمعلومات في الذاكرة. وحتى في حال عدم القدرة على استرجاع المعلومة فإن هذا الأسلوب يساعدك على اكتشاف الجوانب التي لا تعرفها ويعطيك مؤشرا حول ماالذي يجب عليك أن تعود لدراسته،وهذا يساعد على توجيه دراستك بشكل أفضل.
إن طرح الأسئلة يساعد على الفهم بشكل أعمق، فإذا كنت تدرس حول العلاقات التجارية بين الرومان والإغريق، توقف لتسأل نفسك “لماذا أصبحوا شركاء تجاريين؟ لماذا بنوا السفن وتعلموا الملاحة؟”، فعند سؤالك لنفسك فإنك تحاول أن تشرح وهو ما يخلق لديك فهم أفضل لما تدرسه ويساهم في ترسيخه بشكل أفضل في الذاكرة. وبدلاً من القراءة بشكل سريع، توقف لتسأل نفسك بعض الأسئلة التي ستساعدك في فهم الموضوع.
3. اربط المعلومات الجديدة بأخرى تعرفها
وهناك أسلوب آخر أثبت نجاحهعبر القراءة الثانية وهو إيجاد صلة بين المعلومات الواردة في النص ومعارف أخرى سابقة، أي ربط المعلومات ببعضها. ولا يجب أن تكون المعارف السابقة علمية، فإن كنت تدرس عن الأوعية الدموية وضغط الدم، وكان الدرس يشير إلى أن صغر حجم الأوعية الدموية يؤدي لارتفاع الضغط، فإنه من السهل عليك ربط ذلك بخرطوم مياه، كلما شددت عليه ازداد ضغط الماء، وبذلك ترسخ المعلومة لربطك إياها بشيء تعرفه وتمارسه في حياتك.
4. ارسم المعلومات
من الاستراتيجيات الفعالة هي استخدام الرسوم البيانية أو النماذج المرئية أو المخططات. فإذا كنت تدرس علم النفس مثلا، يمكنك استخدام رسم هرمي أو رسم بياني يبين تدفق الأفكار، أو في الفيزياء فإنك تستطيع استخدام مثلث يبسط عليك فهم معادلة السرعة والوقت والمسافة. يمكنك بالطبع أن تقرأ عن الموضوع ولكن للحصول على فهم أعمق والقدرة على الكتابة عنه وعن جوانبه المتعددة فمن الأفضل أن توضح لنفسك الفكرة في شكل مخطط أو رسم. إن أي وسيلة تثير النشاط أثناء التعلم (أن تولّد الفهم بنفسك) تعد أكثر فعالية في تذكر المعلومات لأنها تجعل المتعلم ينخرط في استحصال المعلومة بدل أن يكون متلقي للمعلومة.
5. استخدم البطاقات التعليمية
وسيلة أخرى ذات فائدة هي استخدام البطاقات التعليمية التي عادة ما تستخدم لاختصار معلومات الدروس وتحمل بعض الأسئلة. عادة ما يستخدم الطلبة هذه البطاقات في سؤال أنفسهم بعض الأسئلة عن محتوى كل بطاقة ومن ثم استبعاد البطاقات التي جاوبوا عليها لاستيعابهم المعلومة التي بالبطاقة، إلا أنه قد تبين أن الإبقاء على البطاقات التي تمت الإجابة عليها وتكرار السؤال مرارا يؤدي للاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة.
ويقول مؤلفوا الكتاب “هذا لا يعني أن تكرار المعلومات أمر سيء، ولكن تكرارها دون التفكير بها أو تحفيز الذهن بشأنها من خلال سؤال واسترجاع للمعلومة هو الأمر السيء”.
6. لا تدرس بشكل متعجل.. باعد بين فترات الدراسة
بينت الأبحاث أن الدراسة في اللحظات الأخيرة والتي يحشو فيها الطلاب أدمغتهم بالمعلومات خلال فترة قصيرة لا تسمح ببقاء المعلومات في الذاكرة على المدى الطويل. قد تساعد على الأداء الجيد في امتحان اليوم التالي ولكن عند الامتحان النهائي لن يتذكر الطالب الكثير من هذه المعلومات وفي السنة التالية ستكون قد تضاءلت أكثر فأكثر حتى تتلاشى في نهاية الأمر. وهذا يظهر في مواد كالإحصاء أو الرياضيات أو العلوم إذ يبدو في أول العام الدراسي كأن الطلاب نسوا كل ما درسوه في العام الماضي تقريبا، لأنهم حشروا دراستهم للاختبارات في وقت قصير.
والطريقة الأمثل هي الدراسة على فترات متباعدة فنبدأ بالقليل في اليوم الأول باستخدام البطاقات التعليمية، ومراجعة ما درس في اليوم التالي ثم العودة للدراسة بعد يومين، وهكذا نحصل على نتائج أفضل. وقد أشارت دراسة تلو الأخرى أن المباعدة بين فترات الدراسة مهم جداً.
7. على المدرسين أيضا المباعدة في إعطاء الدروس ومزج الموضوعات المختلفة
يحتوي الكتاب كذلك على نصائحموجهة للمدرسين إذ يشجع النظام التعليمي تقديم العديد من المعلومات، فعند دراسة مقرر في الكلية فإنك تدرس موضوعا في كل يوم الأول دون العودة للخلف لاسترجاع المعلومات. وهذا الأمر لا يعطي نتائج تعليمية جيدة. وتم اللجوء لأساليب أكثر فاعلية في جامعة واشنطن إذ يقوم بعض المعلمين باختبارات لحصيلة الأسبوع الدراسية وأحيانا يتضمن الاختبار معلومات مما سبق دراسته في الأسابيع السابقة. فيما يستقطع بعض المحاضرين وقتا من كل محاضرة جديدة لإعادة بعض المعلومات من المحاضرات السابقة.
أما الفروض المنزلية فإنها عادة ما تتعلق فقط بالموضوع الذي تمت دراسته ومن ثم يأتي الاختبار الأسبوعي بالموضوع الأسبوعي المحدد أيضا. إلا أن الأبحاث قد أثبتت أنه عندما تتوزع الأسئلة لتشمل المعلومات التي جرت دراستها في الأسابيع السابقة وليس الأسبوع الأخير فقط فإن هذا أفضل في عملية استرجاع وتثبيت المعلومات لدى الطلبة.
وينطبق هذا الأمر على الدروس المعطاة فالطريقة التقليدية بإعطاء المواضيع واحدا تلو الآخر لا تفضي لكثير من التعلم ومن الأفضل إعطاء موضوع ثم آخر وثالث ثم العودة لاستذكارها جميعا من زاوية أخرى وربط المعلومات و إجراء المقارنات لأن هذا ما سيواجهه الطالب في الحياة الواقعية فالمسائل لن تكون متعلقة بموضوع محدد بل بمزيج من المعلومات التي ينبغي معالجتها، لذلك فإن هذا الأسلوب يمكن الطالب من معرفة أنماط ونماذج المعلومات المختلفة بأساليب مختلفة على فترة من الزمن مما يساهم في رسوخها في ذهنه.
8. ليس هناك من هو أفضل في الرياضيات من غيره
أحد الأعمال الأكاديمية لمثيرة للاهتمام هي للباحثة كارول دويك من جامعة ستنافورد، أظهرت أن عقليات التعلم عند الطلاب هي إحدى نوعين:
النمط الأول هو صاحب العقلية الثابتة والذي يرى قدراته محدودة في بعض المواضيع كالكيمياء والفيزياء، فيعمل للوصول إلى حد معين والاكتفاء بما وصل إليه، أما ما يتجاوز هذا الفهم البسيط أو المحدود لهذه المواضيع فإنه يعتقد أنه “صعب للغاية، ولن أنجح به” . أما النمط الثاني فهي عقلية النمو والتي يرى صاحبها أن التعلم يتطلب استخدام أساليب فعالة ، مما يعني تخصيص الوقت المناسب للدراسة، والتفاعل مع المادة التعليمية، وهو ما يساعد في زيادة قدرته على فهم الموضوع ، بما في ذلك تلك المجالات التي لا يبرع فيها.
وبحسب عقليات الأشخاص يمكننا التنبوء بأداء الطالب، فالطالب من النمط الثاني ذو عقلية النمو قادر على المثابرة ومواجهة التحديات والمصاعب التعليمية وعادة ما ينجحون في الفصول الصعبة. أما الطلبة من النمط الأول ذوو العقلية الثابتة فإنهم عادة ما لا ينجحون.
لذا على المعلمين التحدث لطلابهم وإقناعهم بأن عقلية التعلم والنمو هي النموذج الواجب اتباعه بحيث يميل الطلاب حينها لتجريب أساليب جديدة والعمل بطرق مختلفة لتعزيز التعلم.
القدرة والذكاء والتعلم أمور تتعلق بكيفية التعامل معها، فإن تعاملت معها بالشكل الصحيح ستتمكن من تحقيق أهدافك.