الزواج من أجنبية حلمًا للكثير من الشباب في مجتمعاتنا العربية


أصبح السفر إلى الخارج والزواج من أجنبية حلمًا للكثير من الشباب في مجتمعاتنا العربية، وذلك بسبب عدد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومن بينها الحالة الاقتصادية للشباب، بالإضافة إلى المغالاة في المهور والتكاليف الباهظة التي تفرضها بعض الأسر على الشاب المقدم على الزواج، والتي لا يستطيع تحملها وخاصة أنه في بداية حياته العملية، مما يضطر العديد من الشباب السفر للخارج للزواج من أجنبية.

البعض يرى في ذلك ضرورة والبعض يرى فيه تضييعًا لهوية مجتماعتنا العربية والإسلامية.. فأي الفريقين على حق؟.. هذا ما نعرفه في هذا التحقيق الذي أجريناه مع بعض الشباب والخبراء التربويين.

وقد استطلعنا في البداية أراء بعض الشباب حول هذه المسألة، فيقول مجدي عطية، وهو مهندس مصري مقيم بالخارج، إنه تزوج أمريكية "بأقل التكاليف"، وقال أيضًا إنه بالإضافة إلى ذلك فهي "تعمل وتشارك معي في أعباء الحياة"، مشيرا إلى أنه حاول الزواج من فتاة عربية، ولكنه لم يفلح "لأن إمكانياتي لا تسمح بسبب غلاء المهور وارتفاع التكاليف بشكل عام".

ويتفق معه يوسف أحمد، وهو مصري متزوج من أمريكية مسيحية، وأنجب منها أبناء وقال إنه يعيش حياة كريمة ولا يفكر في العودة إلى بلاده، وذلك لانبهاره بالحياة الغربية لدرجة أنه يذهب مع زوجته إلى الكنيسة هناك قائلاً: "عيسى نبي ومحمد نبي"!

ويقول عادل قاسم، وهو محاسب ومتزوج من ألمانية، إنه سعيد بهذا الزواج، وخاصة أنها أسلمت بعد الزواج وارتدت الحجاب وحفظت القرآن الكريم وتعلمت اللغة العربية، موضحا أن زوجته بالنسبة له "خير الدنيا والآخرة"، فضلاً على أنها "تسمع كلامي ولا تناقشني ولا تجادل معي مثلما تفعل الفتاة العربية".

مرفوض!

ولكن هذا الرأي لم يكن رأي كل الشباب الذين استطلعنا آراءهم؛ فيرى أحمد عشري، وهو طالب بالفرقة الرابعة بكلية التجارة جامعة الأزهر: "إن الزواج من أجنبية مرفوض وخاصة كبيرات السن؛ حيث يتزوج الشباب بغرض الفلوس والوظيفة، وقد تزوج صديقي من سيدة إيطالية تكبره في السن، رغم رفض أهله هذه الزيجة إلا أنه بسبب أنها عرضت عليه الفلوس والعمل هناك".

ويتفق مصطفى أحمد، 25 عامًا، مع هذا الرأى في أنه لا يفضل هذا الزواج "لأنه زواج منفعة، وليس زواج بهدف الاستقرار وتكوين أسرة وتربية جيل مسلم يشارك في تقدم الأمة العربية والإسلامية".

ويضيف محمد سمير، محاسب 24 عامًا"، أن الزواج من أجنبية "حلم لمشاهدة بلاد أجنبية وانبهار بالحضارة الغربية فضلاً عن توافر فرص العمل، ولكنه لا يبني أسرة أو يحفظ هوية".

هاجس السفر
لا يرى البعض الأمر كله إيجابيات أو سلبيات، ولكنهم لا ينصحون به، ومن بين هؤلاء المفكر الإسلامي جمال ماضي.

فيقول في البداية: "إن هاجس السفر إلى الخارج والحصول على عمل وأخذ الجنسية عبر الزواج بإحدى الأجنبيات، ليس أمرًا جديدًا، بل كلما وعى الشباب حاضرهم الحالك؛ أيقنوا بسواد المستقبل، فيهربون إلى هذا المفر السهل، والزواج بالأجنبية يأتي في هذه المنظومة كطريق في صناعة هذه الحاجس وتحويله إلى واقع وليس خيالاً، بعض الزيجات نجحت وأحبت الزوجة الإسلام، ولكن الأغلب حدث أن فقد الشباب هويته، وانصهروا في مجتمع غريب عن أصالتهم ودينهم".

ويضيف: "لذلك فإن الأمر مثير للقلق فعلاً؛ خاصة حيث لا اعتبار للجانب الروحي والاجتماعي، فإن كان ذلك للشباب الرجال؛ فما بالك بالفتيات؟، إنه أشد خطرًا، مما نراه من زواج مسلمات بأجانب فيفقدن كل شئ وإلى الأبد".

ويقول الدكتور ماضي: "هناك العديد من النقاط مهمة بين يدي موضوعنا هذا يجب التأكيد عليها للإيضاح، الأولى أن الله سبحانه وتعالى أباح الزواج بغير المسلمة لسبب واحد، هو إزالة الحواجز بين أهل الكتاب ودين الإسلام، عن طريق المخالظة وتقارب الأسر، لمعرفة حقائق الإسلام، إذن قبل كل شيء، يجب أن يسأل الشاب نفسه: أي هدف أريد أحققه من هذا الزواج".

ويستطرد ماضي: "النقطة الثانية: إن خرج هذا الزواج والهدف منه عن مقصوده لأمور أخرى مثل أن الأجنبية جذابة، أو متفتحة على العصر، أو للحصول على الجنسية للسفر والعمل، أو للحصول على المال ثم الزواج بمسلمة؛ فإنه يتحول إلى مشكلة، ويكفي هنا إن حدث انفصال؛ فإن الأبناء يخضعون لدين الأم إن كانت يهودية وإن اختلفت جنسيتها".

ثم يتساءل: "قالها عمر بن الخطاب "رَضِيَ اللهُ عنه" حينما رأى زواج بعض الصحابة بأجنبيات: ولمن تتركون نساء المسلمين؟، اليوم شبح العنوسة يهدد إن لم يكن بالفعل بات حال الملايين من النساء المسلمات!، مما جعل بعض الفتيات يرضين كزوجة ثانية أو ثالثة، حتى لا يقال عنها عانس".

إلا أنه لا ينكر أن هناك العديد من الاعتبارات الموضوعية التي دفعت الشباب إلى هذه الحالة، ومن بينها ارتفاع تكاليف الزواج خاصة لمن هم في مقتبل العمر.

القليل من الإيجابيات

وعن الإيجابيات الموجودة في هذا الأمر، يشير ماضي إلى أنه من المعروف عن المجتمعات الغربية بشكل عام التواضع والبساطة وعدم التكلف، وكذلك حسن السلوك بشكل عام والقدرة على التفاهم، مع إتاحة مثل هذه النوعية من الزيجات الانفتاح على الحياة ومواكبة العصر "حيث إن الثقافة المختلفة دومًا تحمل أشياء جديدة لنتعلمها"، بالإضافة إلى أن الزواج من أجنبية "يجنب الشاب نفقات الزواج الباهظة هذه الأيام".

ويقول ماضي: "من بين الإيجابيات أيضًا، اكتساب الأطفال للغات الأخرى، وضمان حصولهم على بعض الحقوق في المجتمعات التي يقيمون فيها، كما أن دخول أحد الزوجين في الإسلام مكسب في حد ذاته، وفرصة لإظهار محاسن الإسلام في التعامل مع الآخر".

سلبيات من العيار الثقيل

وعن السلبيات، يضيف ماضي: "أولاً هناك اختلاف الثقافة قد يؤدي إلى اختلاف الآراء، وقد تنظر المرأة الاجنبية لزوجها نظرة تحتية عند الاختلاف، وقد يتفرق الأولاد، وتضيع ثقافتهم بين الأم والأب، وخاصة إن كانوا في بلاد الزوجة، فهم أقرب إلى الأم من الأب، وقد تطغى- أيضًا - شخصية الأب على الأبناء، وبالتالي يحملون أفكار أب في بلد الأم، مما ينتج تناقض في الشخصية".

ويقول ماضي إن نسبة كبيرة من المتزوجين من أجنبيات انتهوا إلى الطلاق؛ حيث إن الأجنبية قد لا ترضى بالسفر والعيش يومًا ما في بلاد الزوج، وقد تفقد الأم أبناءها أحيانًا إذا حصل الطلاق، وقد تقدم في بعض الحالات إلى خطف الأبناء.

وفي نهاية حديثه يوجه ماضي بعض النصائح للشباب الذي قد يُقبل على خوض غمار هذه التجربة، فيقول: "أولاً: الأصل في الزواج هو الاستقرار والاستمرار، وقد جاء الإسلام لتأكيد هذا المعنى ووضع ما يحمي هذه العلاقة، ويسمو بها إلى مكانة عالية، ثانيًا: الزواج هو الحياة الجادة الحقيقية والإسلام يقدر للمرأة إنسانيتها وكرامتها لتكون مرفوعة الرأس موفورة الكرامة، والتقوى والصلاح هما المفتاح السحري إلى حياة زوجية هادئة ومستقرة؛ حيث يسود الأمن والأمان جنبات الأسرة".

ويضيف أن الأسرة السعيدة "ينعكس أثرها على الأبناء في بناء شخصيتهم الاجتماعية والنفسية، ويبني الثقة لديهم بأنفسهم، ويعلمهم الشجاعة والإقدام، فالطفل الذي يعيش طفولته سليمًا في ظل أبوَيْن متفاهمَيْن يكبر بعيدًا عن الشروخ النفسية، ويشق طريق حياته بنجاح لأنه تربى على الحنان والأمان، تشربهما من الأم الحنون والأب الحاني".