طبعا من المؤكد أن الشمس لا تعرف أن هناك توقيتا ما في أي منطقة، فهي تشرق وتغرب وفق قوانين طبيعية تتغير حسب الفصل، خارجا عن إرادة الإنسان، لكنه هو الذي يمكن أن يتكيف معها نظرا لقوانينه الخاصة بالحياة ليلا ونهار، صيفا وشتاء.
التطبيق العملي بتغيير التوقيت بين الصيف والشتاء، ابتدأ في الحرب العالمية الأولى في مجموعة دول، حتى اليوم، للتوفير في الطاقة.
العالم يعتمد التوقيت حسب خط الطول وبعده عن جرينيتس في الشتاء، والتوقيت الصيفي يكون بتغيير التوقيت صيفا بحيث يبدأ النهار مع شروق الشمس في الصيف تقريبا، الذي يكون مبكرا عن الشتاء، للاستفادة من النور الطبيعي في نهار الصيف الذي يكون أطول من نهار الشتاء. وهذا يكون بتقديم الساعة.. لأن الإنسان ينظم حياته بالساعة.
هناك نتائج هامة لتغيير التوقيت إذا اعتبر التوقيت الشتوي هو الآساس كما هي الحال في دول العالم:
في الصيف يصحو الناس مبكرين حتى يستغلوا النهار، (الذي يبدأ عمليا أبكر من الشتاء، بسبب قوانين الشمس).
ما يحصل في قرار الحكومة اليوم، أي تثبيت التوقيت الصيفي، هو عكس للقاعدة العالمية.
التوقيت الصيفي هو التعديل في العالم.. للأسباب المذكورة أعلاه.. وتثبيته يعني إلغاء الأصل.. الذي هو التوقيت قي الشتاء.
وهذا يعني أن الدولة قررت أن تنظم الحياة في الشتاء، وهي الحياة العادية، وخصوصا في ما يتعلق بالمدارس والجامعات.. التي ستبدأ في ساعات مظلمة.. وربما ساعتين قبل طلوع الشمس أحيانا.. إذا بقي الدوام كما هو فيها..
مثلا يخرج الطلاب في السادسة صباحا ليضمنوا الوصول في الثامنة. وهم يفعلون ذلك صيفا وشتاء.
لكن المشكلة أن الشمس لا تريد الذهاب إلى المدرسة في ساعة محددة.. ولا تخضع لقوانين القمع.. والبرلمانات المزورة..
فإذا افترضنا أن التوقيت نفسه مستخدم طول السنة، وأن الدوام يبدأ الساعة الثامنة طول السنة، فإن الشمس تضيء العالم الساعة السادسة صباحا في الصيف، لكنها تتأخر على الطلاب في الشتاء، فيخرجون في العتمة قبل شروقها.. لأن السادسة صباحا تكون ما زالت معتمة..!
ولنشرح الموضوع لتبسيط فهمه، لمدرسة من المدارس النائية.
لقد شاهدت بأم عيني أطفالا من قرية قرب الطفيلة، (قرية ذات راس التاريخية التي اشتهر مؤخرا ناديها الرياضي).. قبل أعوام، حين لم يكن فيها مدارس، يذهبون في الصباح الباكر، ويسيرون على الطريق العام، إلى المدرسة التي تبعد عنهم عدة كيلومترات، سيرا على الأقدام.. مع طلوع النهار.. لأن دوامهم كان يبدأ في الثامنة على التوقيت الشتوي.. ولأن لديهم تعليمات من أهلهم ألا يركبوا مع سيارات لا يعرفون أصحابها.. وهو موقف صحيح، لأننا لم نصل بعد إلى مرحلة الهتش هايكنج..
لو أراد الأطفال اليوم، في القرى والتجمعات النائية، الذهاب إلى مدارسهم سيرا على الأقدام، على الطريق العام مع إبقاء التوقيت الصيفي للشتاء، وتثبيت ساعة الدوام على الثامنة، يجب على هؤلاء الأطفال السير في العتمة، وأحيانا تحت المطر، مع كل ما في ذلك من خطر، ليصلوا على الوقت مع قرع الجرس.. وقد لا يجدون المعلم هناك.. نعرف جميعا أن أهل هؤلاء لا يملكون السيارات الفارهة والسائقين الخصوصيين مثل الأمراء وأبناء الوزراء وأغنياء عمان.
وللعلم، فإن كثيرا من مدارسنا في المناطق النائية (البادية مثلا) تقع مركزية بين تجمعات سكانية مبعثرة، حيث كثافة السكان 6.7 شخص/ كم2 (كثافة السكان في العاصمة تبلغ 44 مرة من البادية حسب تقرير صندوق تنمية البادية)، وهذا يؤدي إلى نقص الخدمات، طبعا لا يمكن بناء مدرسة لكل تجمع سكاني، ولا حتى الطرق وغيرها من الخدمات.. فتبنى المدارس مبعثرة مما يؤدي إلى صعوبة الوصول إليها.. حتى بالتوقيت السليم، فكيف إذا كان التوقيت الصيفي مطبقا بالشتاء..
ومن السيئات الأخرى، حتى في العاصمة نفسها، التي يخطط لها أصحاب السيارات الفارهة، أن الطالبات في المدارس والجامعات، عليهن الصحو المبكر قبل النهار للسير هلى الأقدام أو الانتظار على مواقف محطات النقل العام.. والتزاحم للوصول إلى مدارسهن.. ولكم أن تقدروا حجم المشاكل المنتظرة في هذه التزاحمات الليلية..
اما بالنسبة للنشاطات الآجتماعية والثقافية، فإنها لن تكون أكثر حظا من المدارس والجامعات.. مما سيجعلها ترتبك وتتقلص، في مختلف المناطق القريبة منها والنائية.. لكن ذلك قد يكون من مصلحة ذوي القرار وإن لم يكن من مصلحة الناشطين والمتابعبن لها..
ربما كان موضوع الطلبة والنشاطات لا يهم جباة الحكومة.. الذين يركزون همهم على العاصمة وعلى القليل من الجباية فقط.. لأن تطبيق التوقيت الصيفي في الشتاء لا ينتج إلا بعض التوفير النظري للحكومة..
كما أنه قد لا يهم حملة شعار الأردن أولا.. لأنه لا ينتج لهم أصواتا انتخابية.. لكنه ذو نتائج ستكون حتما مؤلمة للكثيرين.. إذا بقيت ساعات الدوام نفسها.. وسيلعن المواطنين كل من يُقرُّه..
أما إذا غيرت ساعات الدوام.. فلماذا لا نرجع التوقيت الشتوي.. فإنه سيكون أسهل وأجدى ولا ينتج ارتباكا لأحد..! وإن كان لا يحل كل المشاكل.. لكنه لن يفاقمها..
يعني باختصار، إذا لم يتغبر التوقيت.. المطلوب أن تجلس أمام التلفزيون وتنعزل عن العالم.. لأن توقيتك سيختلف عنه