11 نقطة أساسية يجب أن تعرفها عن الأزمة الإقتصادية باليونان

انفجرت أزمة الاقتصاد اليوناني مؤخرا في شكل انهيار سياسي ومالي، فالبنوك أغلقت وقدرة اليونانيين على سحب نقود من ماكينات الصرافة باتت محدودة، وتخلف الدولة عن سداد ديونها للدول الأوروبية مرجح بشكل كبير، بالإضافة إلى الاحتمالات القوية بانسحاب البلاد من العملة الأوروبية الموحدة.

فإذا كنت تريد معرفة مفاتيح تلك الأزمة الاقتصادية في اليونان فستفيدك قراءة النقاط التالية.

1- منطقة اليورو فكرة سيئة اقتصاديا بالأساس

قبل أن تلقي باللوم على أي طرف في الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في اليونان، من الهام أن تعرف أن المفهوم الأساسي عند منطقة اليورو فكرة معيبة جدا، فقد أجمع المراقبون الاقتصاديون الأجانب بتنوعاتهم واختلافاتهم الفكرية ومنهم ميلتون فريدمان وبول كروجمان على أن اندماج مجموعة من الدول الأوروبية الهائلة والمتميزة في عملة موحدة خطوة ستنتهي بالخراب.

وقد كانت فكرة الاقتصاديين الأجانب بأن “إنشاء منطقة لليورو ستكون فكرة سيئة” منتشرة منذ عام 2009، أي قبل أي انهيار اقتصادي، وقدم الاتحاد الأوروبي وقتها ورقة ساخرة مكتوب فيها “منطقة اليورو: لا يمكن أن تحدث، إنها فكرة سيئة”.

لكن الأمريكيين كانوا مخطئين بشأن بعض تلك الأفكار، فحقيقة أن “الاتحاد النقدي الأوروبي فكرة سيئة للغاية” لم تمنع الاتحاد الأوروبي من تنفيذها، كذلك فإنه لم ينهَر بالرغم من المعاناة والمشاكل الناتجة عنه.

ومع ذلك، فإن المشكلة الأساسية بسيطة للغاية، فعندما يتداعى اقتصاد إحدى الدول فأسهل الطرق لمواجهة ذلك يرجع لعملتها، حيث تنخفض قيمة عملتها بالمقارنة بعملات الدول الأخرى. وبذلك تنخفض القوة الشرائية الحقيقية لمواطني تلك الدولة، وإيجابية الموضوع تظهر في ارتفاع صادرات تلك الدولة وانتعاش السياحة لديها، وبكلمات أخرى فإن الدولة ترد على أزمتها الاقتصادية في جعل الشعب يعمل وينتج.

أما الدولة التي تنقصها تلك المرونة فقد تستوعب المشكلة الاقتصادية لكن بعد الدخول في معاناة طويلة مع البطالة، وهو ما يحدث حاليا في اليونان.

2- اليونان ازدهرت في السنوات الأولى من تأسيس منطقة اليورو

لفهم كل من الالتزام العاطفي لليونانيين تجاه منطقة اليورو والسياسة البخيلة لأوروبا تجاه اليونان، فمن المهم إدراك أن اليونان جربت صعودا اقتصاديًا رهيبا في السنوات الأولى من تأسيس الاتحاد النقدي الأوروبي.فقبل اليورو، كانت حكومات دول مختلفة تدفع معدلات فائدة متباينة كون المقرضين مدركين لخطر تخفيض العملة، وبالتحديد، فإن اليونان كانت مثقلة بمعدلات فائدة عالية منذ ملاحظة سياساتها الاقتصادية – غير النزيهة – وكان من المؤكد أنها ستلجأ لتخفيض عملتها.
لتختفي تلك التخوفات مع حلول اليورو في المنطقة، وبشكل خاطئ، فإن ذلك لم يتبدل لتخوفات من عدم سداد اليونان لديونها، وهو ما أدى لهبوط أسعار الفائدة على السندات اليونانية. وهذا ما جعل الحكومة والقطاع الخاص اليونايين يتجهان للاقتراض بنهم، الأمر الذي خلق ديونا متسارعة النمو.

3- منطقة اليورو لا تعامل اليونان مثلما تعامل أمريكا كنتاكي

دائما ما كانت ولاية ماساتشوستس الأمريكية أغنى من ولاية كنتاكي وذلك منذ انضمام الأخيرة لاتحاد الولايات الأمريكية، وهو ما يشير إلى عدم التغير. وأيضا كاليفورنيا فهي أغنى دائمًا من إيداهو، ومنذ أن وضعت الولايات المتحدة نظام الضرائب والإنفاق الذي يحول الأموال من الأغنياء إلى الفقراء فهو أيضا يحول الأموال من الولايات الغنية إلى الولايات الفقيرة. ويمكن تسجيل تاريخ هذه التحويلات بأنها دين كبير مدينة به ولاية كنتاكي لولاية ماساتشوستس ويجب أن يرد لها يومًا ما.

ولكن ذلك لن يحدث، فحكومة ماساتشوستس لم تهدر وقتها في الشرح لحكومة ولاية كنتاكي أنها تحتاج لإصلاحات هيكلية لإحياء اقتصادها المختل.

والولايات المتحدة ليست فريدة في هذا الصدد، فلندن والجنوب الشرقي يدعمان شمالي إنجلترا، وشمال إيطاليا يدعم جنوبه، ألبرتا وأونتاريو يدعمان كندا الأطلسي، ألمانيا الغربية سابقا تدعم ألمانيا الشرقية، والسبب هو أنه حينما تشيد صناعات عالية القيمة في مكان ما فإنه يكون من الصعب في المناطق الأخرى اللحاق بها، فنيويورك ولندن وفرانكفورت وميلان وتورنتو كلهم يخدمون كمعادل لضمان التوازن في أرجاء البلد الواحد، وذلك بإعادة المدفوعات التي يجري تحويلها للمناطق الفقيرة، ونرى في ذلك خلافات لا نهاية لها.

وللعمل بشكل سلس قد تحتاج منطقة اليورو بعض من تلك الإعانات المتبادلة. دافعو الضرائب في ألمانيا وهولندا يجب أن يلتزموا بإعانة اليونان والبرتغال على السواء، بشكل مستمر وأساسي بدون التجاذبات مع أحد الأطراف.

فعدم حماس المصوتين الألمان والهولنديين لتلك الفكرة مفهوم تماما، فهم يرون أنه من المعقول أمر “اتحاد العملة”، ولكن تلك التحويلات المالية والإعانات غير مفهومة بالنسبة لهم.

4- أزمة الدين اليوناني تم التعامل معها بشكل خاطئ

تكمن جذور الأزمة الحالية في التعامل الفاشل مع أزمة الدين السابقة. وكان خبير الاقتصاد الأيرلندي كارل ويلان قد كتب تحليلا وافيًا في هذا الصدد، أهم النقاط التي جاءت فيه كانت:

اليونان مدينة بأموال لبنوك أوروبية خاصة لا تستطيع تسديدها.
بدلًا من تخلف اليونان عن الدفع، ما قد يستدعي إنقاذها لبنوكها، فالحكومات الأوروبية أعطت اليونان قروضا ضخمة لتسدد لتلك البنوك الأوروبية.
ذلك الأمر جعل اليونان مدينة للحكومات الأجنبية بأموال كثيرة، وهذا ما جعل اليونات في موقف سياسي مذل.
قد تحرك تلك الحقيقة الأزمة لكنها لا تغير: فاليونان لا تمتلك وسائل لتسديد ديونها، وتفتقر الحكومات الأجنبية أيضا إلى وسائل لإخضاع اليونان والسيطرة عليها.
أخيرًا فإن الحكومة اليونانية تطالب بأن تكون قادرة على اختيار وتحديد شكل سياستها العامة، وشركاء اليونان في أوروبا يطالبون بأن ترقى اليونان إلى مستوى التزاماتها إذا كانت تريد أموالهم.

5- حزب سيريزا اليوناني: الحاكم يبيع المصوتين بكذبة

في حملته الانتخابية الناجحة عام 2015، أخبر حزب سيريزا اليوناني جمهور الناخبين بما كانوا يريدون سماعه: أنه هناك مسار خارج كابوس التقشف، وأن السياسة الخارجية مسؤولة عما وقعت اليونان فيه، وأن المسار الذي سيتبعونه لن يتضمن مغادرة منطقة اليورو.لكن ذلك ليس صحيحًا. الأمر الوحيد الذي يمكننا معه أن نصدق مثل هذه التصريحات هو أن تكتب الحكومات الأوروبية شيكات على فراغ بمبالغ تصل إلى مليارات الدولارات لليونانين، ولكنها فكرة مجنونة على كل حال. فالطريقة الوحيدة التي كان يمكن أن تتخلص اليونان بها من قيود الأوروبيين منذ فترة طويلة هي مغادرة منطقة اليورو. والبعض يشك بالفعل في أن هناك من قيادات الحزب الحاكم من كان على اطلاع على هذا الحل لكنهم فضلوا الكذب على شعبهم.
6- حزب سيريزا مهمش من قبل السياسات الأوروبية

سيريزا ليس فقط الحزب اليساري التقليدي لليونان، الوضع هنا مختلف، فهو الحزب اليساري الذي صعد إلى السلطة بإزاحة الديموقراطيين الاجتماعيين اليونانيين. فكل دولة أوروبية لها أحزابها السياسية ونظم أحزابها، ولكن بشكل عام فالأحزاب الأوروبية على الأغلب تكون تمثيلًا للقليل من العائلات الكبيرة التي لها نفس الأيدولوجيات والروابط المؤسسية المحلية المتبادلة.
في كل دولة هناك الاشتراكي، والاشتراكي الديموقراطي، وحزب العمل (أكبر حزب من يسار الوسط).
في كل دولة يوجد الحزب المسيحي الديموقراطي أوالحزب الليبرالي أو كلاهما ويشكلان تيار اليمين.
في دول كثيرة هناك حزب الخضر (أيدولوجيا مثل اليسار ولكن له قاعدة تصويتية راقية) بخلاف الحزب الاشتراكي الديموقراطي التقليدي.
في دول كثيرة يوجد الحزب الشعبي (ضد المهاجرين) وهو مع اليمين سياسيا وغالبا ما يتعامل مع فكرة أن طرد المهاجرين للخارج قد يحقق رفاهية للدولة.
في دول كثيرة هناك حزب أقصى اليسار وغالبا ما يرتبط مؤسسيا منذ القدم بالحزب الشيوعي المحلي.
وعلى ذلك ففي أوروبا الحالية، تعتبر اليونان هي الدولة الوحيدة التي يقود تحالف حكومتها حزب من أقصى اليسار، وهو ما لم يحدث من قبل في أي حكومة أوروبية. وفي بعض الدول الأوروبية منها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا فإن أحزاب اقصى اليسار ويسار الوسط على علاقة غير جيدة مع السلطة.

وبالتالي فإنه بشكل عام في أوروبا – وحتى في أوساط الأحزاب اليسارية – هناك رغبة عامة في سقوط حزب سيريزا من السلطة، الأمر الذي سيكون مرحبا به بشدة.

7- التقشف كحل لا بديل له

سمعت بالطبع عن لفظة “التقشف” في كل الموضوعات التي تخص الموقف اليوناني، كون ذلك جزءًا من السياسة المالية اليونانية لسنوات عديدة مضت، وهو اقتطاع الحكومة من الإنفاق بشكل أكبر من أي دولة أخرى في أوروبا.
ومن المحتمل أنك سمعت كثيرًا عن التشقشف، حيث كان أمرًا هامًا في السياسات الأمريكية والبريطانية لسنوات، الا أنه في حالة اليونان فإن التقشف يعتبر أمرًا لا مفر منه.

ففي الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة كان التقشف اختيارًا: الأسواق المالية كانت مرتاحة لإقراض الدولتين، وكان هناك أموال أكثر لتحريك الركود لديهم.

لكن الحكومة اليونانية لا تمتلك الخيار: حيث لا يمكنها تحمل عجز أكبر في الميزانية. ولن يقرض أحد اليونان، وقد طالب الأوروبيون الحكومة اليونانية بالكثير من التقشف في مقابل أموالهم، ومع غياب تلك الأموال فعلى السياسة المالية اليونانية أن تكون أكثر تقشفا.

وغالبا في انتقاد الناس لمؤشرات التقشف في اليونان يقولون بأنه على ألمانيا وفرنسا إعطاء اليونان المزيد من الأموال، وقد يكون هذا الكلام صحيحا! ولكنهم لم يفعلوا، وفي ظل غياب لتلك الإعانات فإن اليونان ليس لديها خيار من أجل انعاش اقتصادها.

8- مشكلة المطالبات الألمانية المستمرة بالإصلاح في اليونان

أما الأمر الثاني الذي سمعته على الاغلب كثيرًا فيما يخص المسألة اليونانية هو “الإصلاحات الهيكلية” وهي ما يطالب الدائنين بتعهد اليونان بها.

ومن السهل النظر إلى إجمالي الاقتصاد اليوناني، والقول بأن اليونان يمكنها بالفعل أن تستفيد بإجراء بعض الإصلاحات، حتى قبل ذروة أزمتها الاقتصادية.

البنية التحتية لنظام جمع الضرائب اليونانية غير فعال، والخدمة المدنية اليونانية مخترقة بسبب محاباة الأقارب والواسطة، لكن لو خططت اليونان للوصول لمتوسط مستوى الأداء الحكومي والاقتصادي للدول الأوروبية فإن قدرتها على سداد الديون ستكون متقدمة بشكل كبير.

وهنا المشكلة: فلو وضعت اليونان هذا الهدف وبدأت تعمل عليه، فستكون أخبارًا عظيمة للشعب اليوناني الذي سيولد أفكارا رائعة وفعالة، وبالتالي ستقوم الحكومة اليونانية المنتخبة بالتنفيذ.

والضغط الخارجي والخبرة سيساعدان في هذا الأمر لكن على الهامش – وعلى الهامش فقط – فإن النخب اليونانية على حذر من توصيات النخب الأجنبية الألمانية والفنلندية حول ما يجب أن يفعله اليونانيون، وهي تلك النوعيات من النقاشات التي لا تنهي المآزق السياسية.

وفي حين تضغط الحكومات الأجنبية على اليونان للإصلاح فإن الممثلين السياسيين يطالبون بذلك أيضا، وبالتالي فإن المطالبات الخارجية تركز – بشكل يبدو غير مناسب – على الأشياء البارزة في السياسات الداخلية، بدلًا من التركيز على تغيير قواعد اللعبة لحل المشاكل اليونانية.

9- أوروبا تصعب الأمور على اليونان

تعتبر اليونان إحدى الدول الشاذة في أوروبا، ولكنها ليست فريدة، فيقف خلفها في طابور الفقر والاقتصاد المثقل كل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا، فعندما تتكبر اليونان على الدائنين الخارجيين وتقرر ترك منطقة اليورو، فذلك سيذهل الدائنين ويجعلهم يخشون أن تتخذ البرتغال وإسبانيا وإيطاليا نفس المسار.

وبالتالي فإنه من اهتمامات أوروبا جعل اليونان في حالة من الفوضى والمعاناة لأطول مدة ممكنة، فحتى إذا لم يكن ذلك حلًا للأزمة اليونانية فهو على الأقل ايصال رسالة إلى الدول الثلاث بأنه يجب أن يتخذوا أي وسائل أخرى غير التفكير في مثل هذه الامور، لتجنب المصير المأساوي لليونان حاليًا.

10-قد لا تهمك تلك النقطة

موقف اليونانيون ورغبتهم في الانسحاب من منطقة اليورو مذهل بالطبع، وهو مهم بالنسبة لهم أكثر من أي شعب آخر، ولكن على عكس دراما الاقتراض الأوروبي فهو بعيد عنك ولن يؤثر عليك شخصيا غالبًا.

وبعد شهور من الجدل العام المتصاعد (محتمل سنوات)، ستتوقف اليونان عن سداد ديونها وستغادر اليورو. وأي مؤسسة مالية كانت مهتمة ولو قليلًا بهذا الأمر، فإنها آخذة لحذرها من تلك الاحتمالات، وبانعكاس مثل هذه الأخبار على تحركات السوق فليس هناك سبب للظن أن أمرًا مثل ذلك سيثير الرعب.

11- لو قررت قضاء عطلتك في اليونان فلتحضر أموالك نقدية

الاستثناء الوحيد من القاعدة هنا هو إذا ما كنت تنوي قضاء عطلتك في اليونان، فالتجربة الأرجنتينية التي سبق وأن كانت في موقف مشابه لليونان تنصح بأن تحضر معك قدرًا وافرًا من العملة النقدية سواء بالدولار أو اليورو، لأن العملات تكون مطلوبة بشدة في ذلك الوقت، حيث تتعطل الأنظمة البنكية. وبالتالي فإن دفعك مقابل الأشياء بالعملة الأجنبية (الدولار) ستكون أوفر من صرف الدولار بالسعر الرسمي وتحويله إلى يورو.

والحقيقة أن زيادة السياحة واحدة من أفضل فرص اليونان للتعافي من الأزمة، فالدولة تحتاج بشدة للسياح الأجانب والمزيد من الأنشطة الاقتصادية.